الاثنين، 14 نوفمبر 2022

سبحوا الله في قُدسِهِ أَم سبحوا الله في قِدِّيسِيه؟

 

العبارة الأولى في المزمور 150 "سبحوا الله في قُدسِهِ" أم "سبحوا الله في قِدِّيسِيه"؟ لماذا نجدها في بعض الترجمات "قدسه" وفي ترجمات أخرى "قديسيه"؟!

الكلمة في النص العبري هنا בְּקָדְשׁ֑וֹ
بـِ/قَدِش/وُ be-ka-de-Sho
في مَقدِسِهِ in his sanctuary

فكلمة קָדְשׁ معناها (مَقدِس) في المُفرد. وبحسب فهم العهد القديم يُفهم أنه مكان وحيد وأن التسبيح يكون في (مكان) المَقْدِس أي الهيكل الموجود في أورشليم. لأنه كان بيت الله حيث يسكن وسط شعبه. وعليه تُفهم: سبحوا الله في هيكله أو مكانه المقدس.

أما التعبير بحسب الترجمة اليونانية السبعينية
εν τοις αγιοις αυτου
إن تِس هاجيِيس أڤتو en tis hagies avtou
في ال قدسات/قديسين هـ (الذين له)
in the hollies (things/places)/saints of him

وهنا كلمة αγιοις تأتي جمع في حالة القابل بمعنى (مُقَدَّس) وتستخدم الكلمة للأشياء things وللإنسان man أيضا، فيمكن أن تشير هنا لأماكن أو أشياء مقدسة أو أناس قديسين. وعليه تُفهم: سبحوا الله في القدسات (الأماكن) أو القديسين (الناس) الذين له

وبناء على مفهوم العهد الجديد الخلاصي نحن تقدسنا في المسيح وصرنا نحن هيكلا مقدسا لله ولم يعد يقتصر سُكنى الله على هيكل حجري قائم بمكان مُعين كما كان في العهد القديم، فهيكل الله الآن هو جميع المُقدسين في المسيح يسوع. وأرى أنه لذلك السبب أخذت ترجمة المزمور ال 150 عن القبطية المأخوذة من الترجمة السبعينية هذا المعنى والمفهوم.

الجمعة، 1 يوليو 2022

سلسلة تعليقات على سفر ملاخي

 

الأصحاح الأول: أحببتكم واحتقرتموني

الأصحاح الثاني: كهنة منحرفون وشعب دنس

الأصحاح الثالث: ارجعوا إليَّ أرجع إليكم

الأصحاح الرابع: شمس البر وأجنحة الشفاء



الاثنين، 13 يونيو 2022

نُصُب ميشع ملك موآب وتاريخ إسرائيل


حجر موآب The Moabite Stone أو نصب ميشع Mesha Stele،[i] هو نصب تاريخي كتبه "ميشع" ملك موآب، في القرن التاسع قبل الميلاد في وسط الأردن، ويُعد من أقدم وأطول الأنصاب التاريخية المكتوبة المكتشفة في بلاد الشام والتي يُخَلِّد فيها الملك "مشيع" الانتصارات التي حققها عندما تمرد على إسرائيل بعد موت "آخاب" وتعود تقريبا لعام 840 ق.م. واكتشف هذا النقش الأثري الهام على يد أحد الرهبان الألمان العاملين في مدينة القدس عام 1868م.

 

وأهمية حجر نصب ميشع الموآبي ترجع إلى أنه يؤكد قصص الكتاب المقدس والدقة التاريخية والجغرافية للكتاب المقدس التي دونت في (2 ملوك 1: 1، 3: 4-27؛ 10: 32-33).

 

1يوثق خضوع موآب لـ "عُمري" ملك إسرائيل عام 885 ق م.

 

2يوثق تمرد موآب بعد وفاة "أخاب" عام 841 ق م.

 

3يذكر الأسماء التي وردت في الكتاب المقدس مثل: "ميشع" مربي الأغنام و"عُمري" و"أخاب" و"إسرائيل" و"يهوه" و"كموش".

 

4يورد أماكن ذُكرت في الكتاب المقدس مثل: موآب وإسرائيل ونبو وعطاروت وديبون وميدابا.

 

ويُعتبر هذا الأثر حتى الآن هو الأثر الأقدم الذي ذكر "إسرائيل" وملوكها مثل "عُمري" و"أخاب" وأيضا اسم "يهوه" وبعض المدن في ذلك الزمان. ويتوافق مع الأحداث والأماكن التي ذكرها سفر الملوك الثاني.

  

 


[i] Brown, W. Moabite Stone [Mesha Stele]. World History Encyclopedia. https://www.worldhistory.org/Moabite_Stone_[Mesha_Stele]/

 

السبت، 4 يونيو 2022

المفهوم السليم لوراثة الخطية عند البابا كيرلس السادس


هناك فرق كبير أن نتكلم عن وراثة الخطية بمعنى "وراثة الذنب" كما لو كنا مشاركين آدم في الفعل، أو بمعنى وراثة الميول والشهوات الردية والفساد المؤدي للموت التي ورثناها بالطبيعة كوراثة المرض فأصبحنا في "حالة خطية". كِلا المفهومين يُمكن أن يُعبَّر عنهما بكلمة "الخطية"، ولكن شتّان الفارق بين مدلول القصد بين كل منهما.


في رسالته الفصحية عام 1960،[i] يُقدم البابا كيرلس السادس التعليم الأرثوذكسي السليم الذي تعلمته الكنيسة عبر العصور لمفهوم "وراثة الخطية". فيشرح في الرسالة كيف شمل الخطأ الذي ارتكبه آدم كل جنسنا البشري لأنه كان أبًا لجميع البشر، وأن الجميع تحملوا تبعات سقوطه لأنهم ورثوا "حالة" أبيهم آدم بعد السقوط لكنهم لم يرثوا خطيئته (الذنب نفسه)، ويؤكد أن الخطية نفسها لا تورث من الأب للابن، ولا يمكن أن يؤخذ الإنسان بذنب آدم. ويُكرر في الرسالة عدة مرات أن ما ورثته البشرية هو الحالة والنتائج فقط أي السقوط والفساد والموت وليس الذنب نفسه.


ويشرح البابا كيرلس السادس في الرسالة بأن بسبب السقوط فقد آدم الصلاح والقداسة والبر، وانحطت نفسه واظلم عقله وملكت عليه الميول والشهوات الجسدية، ودب فيه الضعف والانحلال، والمرض، والموت نفسا، وجسدا. وهي الحالة التي ورثناها كوراثة المرض. ويشرح كيف أصلح فداء الرب يسوع المسيح عواقب السقوط بأن صرنا وارثين للبر ومُنحنا بركات الفداء باتحادنا به.


الأربعاء، 1 يونيو 2022

الضربات العشر والتاريخ المصري القديم - بردية إيبوير


في أوائل القرن التاسع عشر عُثر على بردية إيبويرIpuwer Papyrus ، والتي نشر ترجمتها العالم الأثري الإنجليزي الشهير آلان جاردينر Alan Gardiner.[i] وهي مجموعة من ورق البردي مكتوبة بالخط الهيراطيقي والتي يعود تاريخها إلى نهاية عصر الدولة الوسطى أو بدايات الدولة الحديثة في مصر على أقصى تقدير،[ii] وتُسمى "عتاب إيبوير" The Admonitions of Ipuwer. وهذه البرديات محفوظة حاليا في متحف ليدن Leiden في هولندا.[iii] 


وتصف هذه البرديات اضطرابات عنيفة حدثت في جميع أنحاء أرض مصر. وكاتب هذه البرديات مصري يدعى إيبوير Ipuwer والذي يبدو أنه سجل هذه الاحداث كشاهد عيان. وفيما يلي مقتطفات من هذه البرديات والمقابلة بينهما وبين ما ورد في سفر الخروج من توراة موسى النبي.


بردية إبيوير

التوراة – سفر الخروج

2: 5-6 الطاعون في جميع أنحاء الأرض. الدم في كل مكان.

2: 10 النهر دم.

2: 10 ينقبض الرجال من التذوق - البشر، والعطش لأجل الماء

3: 10-13 هذا هو ماءنا! هذه هي سعادتنا! ماذا نفعل لأجله؟ كله فسد.

7: 20-21 فَتَحَوَّلَ كُلُّ الْمَاءِ الَّذِي فِي النَّهْرِ دَما... وَانْتَنَ النَّهْرُ... وَانْتَنَ النَّهْرُ فَلَمْ يَقْدِرِ الْمِصْرِيُّونَ انْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ النَّهْرِ. وَكَانَ الدَّمُ فِي كُلِّ ارْضِ مِصْرَ.

7: 24 وَحَفَرَ جَمِيعُ الْمِصْرِيِّينَ حَوَالَيِ النَّهْرِ لأجل مَاءٍ لِيَشْرَبُوا لانَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا انْ يَشْرَبُوا مِنْ مَاءِ النَّهْرِ.

2: 10 حقًا!! البوابات والأعمدة والجدران أهلكت بالنار.

10: 3-6 تبكي مصر السفلى ... القصر بأكمله بلا إيرادات.

6: 3 حقا فجأة، الحبوب قد هلكت من كل جانب.

5: 12 فجأة، هلك الذي شوهد بالأمس. الأرض متروكة لخرابها مثل قطعة الكتان.

9: 23-25 ... وَجَرَتْ نَارٌ عَلَى الارْضِ...  فَكَانَ بَرَدٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ فِي وَسَطِ الْبَرَدِ. شَيْءٌ عَظِيمٌ جِدّا... فَضَرَبَ الْبَرَدُ فِي كُلِّ ارْضِ مِصْرَ جَمِيعَ مَا فِي الْحَقْلِ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَضَرَبَ الْبَرَدُ جَمِيعَ عُشْبِ الْحَقْلِ وَكَسَّرَ جَمِيعَ شَجَرِ الْحَقْلِ

9: 31 فَالْكَتَّانُ وَالشَّعِيرُ ضُرِبَا. لانَّ الشَّعِيرَ كَانَ مُسْبِلا وَالْكَتَّانُ مُبْزِرا

10: 15 لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ اخْضَرُ فِي الشَّجَرِ وَلا فِي عُشْبِ الْحَقْلِ فِي كُلِّ ارْضِ مِصْرَ.

5: 5 كل الحيوانات تبكي. الماشية تئن.

9: 2-3 هوذا تُترك الماشية لتضل، ولا يوجد أحد ليجمعها معا.

9: 3... تَكُونُ عَلَى مَوَاشِيكَ الَّتِي فِي الْحَقْلِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَالْجِمَالِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وبأ ثَقِيلا جِدّا.

9: 19 ... وَالْبَهَائِمِ الَّذِينَ يُوجَدُونَ فِي الْحَقْلِ وَلا يُجْمَعُونَ الَى الْبُيُوتِ يَنْزِلُ عَلَيْهِمِ الْبَرَدُ فَيَمُوتُونَ.

9: 11 الأرض بلا نور.

10: 22 ... فَكَانَ ظَلامٌ دَامِسٌ فِي كُلِّ ارْضِ مِصْرَ...

4: 3 حقا فجأة انكسر أبناء الأمراء على الجدران.

6: حقا!! أبناء الأمراء طُرحوا في الشوارع.

6: 3 السجن خراب.

2: 13 في كل مكان هناك من يدفن أخاه في الارض.

3: 14 أنين في جميع أنحاء الأرض، يمتزج مع الرثاء.

11: 5-6 فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ الْجَارِيَةِ الَّتِي خَلْفَ الرَّحَى، وَكُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ. وَيَكُونُ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهُ أَيْضًا.

12: 29-30 ... الرَّبَّ ضَرَبَ كُلَّ بِكْرٍ فِي ارْضِ مِصْرَ مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ الَى بِكْرِ الاسِيرِ الَّذِي فِي السِّجْنِ وَكُلَّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ... وَكَانَ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي مِصْرَ لأنه لَمْ يَكُنْ بَيْتٌ لَيْسَ فِيهِ مَيِّتٌ.

7: 1 هوذا قد اشتعلت النيران في الأعالي. حريقها يذهب مقابل أعداء الأرض.

13: 21 ... يَسِيرُ امَامَهُمْ نَهَارا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ وَلَيْلا فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ - لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارا وَلَيْلا.

3: 2 الذهب واللازورد والفضة والملكيت والعقيق والبرونز... تُعقد على أعناق الإماء.

12: 35-36 ... طَلَبُوا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ امْتِعَةَ فِضَّةٍ وَامْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَابا. وَاعْطَى الرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُيُونِ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى اعَارُوهُمْ. فَسَلَبُوا الْمِصْرِيِّينَ.



ومن المقابلة في الجدول السابق نجد تطابق كبير بين الأحداث المذكورة في البردية وبين ما ورد في سفر الخروج حول الضربات العشر. فقد ذكرت البردية [الطاعون] والذي يمكن أن يقابل ضربة الدمامل (خر 9: 9-10). وتَحَوُّل [النهر دم] والتي تُقابل ضربة تحويل الماء لدم في كل أرض مصر (خر 7: 17). 


ونجد أثر ضربة النار والبَرَد (خر 9: 23-25) وضربة الجراد (خر 10: 12-15). فتتكلم البردية عن النار: [حقًا!! البوابات والأعمدة والجدران أهلكت بالنار]، وفقدان ال [إيرادات] بسبب فناء [الحبوب] والمحاصيل والذي يرجع لضربة البَرَد الذي يحرق المحاصيل وأيضا أهلك [الماشية] والتي [لا يوجد أحد ليجمعها معا]. وخراب الأرض بالكامل حتى لم يوجد شيء متبقي. وتشير البردية إلى ضربة الماشية (خر 9: 3) فتقول: [كل الحيوانات تبكي. الماشية تئن]. وأيضا نجد ضربة الظلام (خر 10: 22) الذي جعل [الأرض بلا نور] كما وصفته البردية.


وتُسلط البردية الضوء أيضا على فاجعة موت الأبناء، من أول أبناء الأمراء [انكسر أبناء الأمراء] إلى السجناء [السجن خراب]، وكيف وصل الموت إلى كل بيت [في كل مكان هناك من يدفن أخاه في الأرض]، فالمناحة والأنين في كل مكان [أنين في جميع أنحاء الأرض، يمتزج مع الرثاء]. وهو ما يمكن مقابلته بضربة موت الأبناء الأبكار في (خر 12: 29-30).


كما تُشير البردية لاستيلاء الإماء على نفائس المصريين [الذهب واللازورد والفضة، والملكيت، والعقيق، والبرونز.. تُعقد على أعناق الإماء]، وهو ما يتفق مع (خر 12: 35-36) بأن بني إسرائيل أخذوا من المصريين ذهبا وفضة قبل خروجهم. وتذكر البردية أيضا اشتعال نار مرتفعة [هوذا قد اشتعلت النيران مرتفعة. حريقها يذهب مقابل أعداء الأرض]، وربما يشير هذا لعمود النار (خر 13: 21) الذي كان يسير أمام شعب إسرائيل عند خروجهم من مصر.


وبهذا نجد إشارات قوية في بردية إيبوير على أحداث تقابل على الأقل سبع ضربات (تحول الماء لدم – الدمامل – البرد والنار – الجراد – وباء الماشية – الظلام – موت الأبكار) من الضربات العشر المذكورة في سفر الخروج. بجانب تفاصيل تتفق مع أحداث الخروج، وهو الأمر الذي من الصعب جدا أن يكون مجرد مصادفة.



[i] Gardiner, A. H. (1969). The admonitions of an Egyptian sage: From a hieratic papyrus in Leiden (pap. Leiden 344 recto). J.C. Hinrichs. https://dlib.nyu.edu/ancientworld/books/ifa_egypt000149/1

[ii] Habermehl, A. (2018). The Ipuwer Papyrus and the Exodus. In Proceedings of the Eighth International Conference on Creationism, ed. J.H. Whitmore, pp. 1–6. Pittsburgh, Pennsylvania: Creation Science Fellowship. https://digitalcommons.cedarville.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1011&context=icc_proceedings

[iii] Mark, J. J. (21/11/2016). The admonitions of Ipuwer. World History Encyclopedia. https://www.worldhistory.org/article/981/the-admonitions-of-ipuwer/

 

الخميس، 26 مايو 2022

تعليقات على سفر ملاخي ص4 - شمس البر وأجنحة الشفاء

 

1 فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ، وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلًا وَلاَ فَرْعًا.

"اليوم" هو يوم مجيء الرب (ملا 3: 1-2 و17). ويُشبِّه ملاخي هذا اليوم بـ "التنُّور" أي الموقد والفرن. وتمثيل يوم الرب بأنه "المُتقد كالتنُّور" يُشير لنار التنقية (ملا 3: 2-3) والدينونة (ملا 3: 5). وهذا تكلم عنه المزمور: "تجعلهم مثل تنور نارٍ في زمان حضورك؛ الرب بسخطه يبتلعهم، وتأكلهم النار" (مز 21: 9)، "قُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ وَتُحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ." (مز 97: 3). أما المستكبرون وفاعلو الشر (ملا 3: 15) هم القش، أي وقود هذه النار.

كانت هذه رسالة يوحنا المعمدان: "وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ." (مت 3: 10-12)، (لو 3: 9 و16-17). ويتفق مع ما ذكره الرب يسوع عن أغصان الكرمة غير المثمرة: "كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ... إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ." (يو 15: 2 و6).

2 وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا، فَتَخْرُجُونَ وَتَنْشَأُونَ كَعُجُولِ الصِّيرَةِ.

إذا كان يوم الرب هو يوم تنقية ودينونة للأشرار، إلا إنه يوم شفاء وفرح وشبع لمتقي الرب. فـ "المتقون" هم "متقو الرب" (ملا 3: 16) الذين عبدوا الرب بأمانة ذاكرين اسمه كل حين برغم ضلال وشر المجتمع المحيط بهم، وارتفاع المتكبرين والأشرار من حولهم. ولكن هذا لم يُفقدهم رجاءَهم في عدل الرب وصلاحه.

وإشراق "شمس البر" كناية عن ظهور الرب يسوع المسيح، وإشراقة علينا نحن الجلوس في الظلمة "اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ." (إش 9: 2)، "لأَنَّ الرَّبَّ، اللهَ، شَمْسٌ وَمِجَنٌّ. الرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْدًا. لاَ يَمْنَعُ خَيْرًا عَنِ السَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ." (مز 84: 11). فهو "نور العالم"(يو 8: 12)، شمس البر צְדָקָ֔ה (تصداقاه) أي بِرُّ الله الذي هو العدل والحق justice, righteousness، وبِرُّ المؤمنين أي تبريرهم وخلاصهم من خطاياهم vindication, justification, salvation.

فكما أن الشمس في طبيعتها نارٌ حارقة لكن في الوقت لها قوة شفائية مُطهرة "والشفاء في أجنحتها"، تعطي حياة لجميع الكائنات. كذلك ظهور بِرُّ الله على جميع الأمم سيكون دينونة للأشرار، وشفاء الخلاص من الخطية، وحياة أبدية للأبرار. و"أجنحتها" إشارة لـ "ملاك العهد" (ملا 3: 1) أي الرب نفسه وتعني الخلاص والنجاة والحماية والمعونة "وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ." (خر 19: 4)، "لِيُكَافِئِ الرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ." (را 2: 12)، (مز 17: 8 و36: 7 و57: 1 و63: 7)، "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا." (مت 23: 37 ولو 13: 34).

عند مجيء الرب يسوع المسيح، "تخرجون" تشير للاندفاع للخارج، أو للولادة مرة أخرى للحياة الجديدة متمتعين بضياء شمس البر. و"تنشأون" تشير إلى النمو والتقدم في الحياة مع الله، فنبلغ إلى الإنسان الكامل في المسيح (أف 4: 13 وكو 1: 28). "كعجول الصِّيرَة"، والصيرة هي المَعلف أو الحظيرة، مُتغذين على غِنَى ودسم وصايا الله وكلمته المشبعة.

3 وَتَدُوسُونَ الأَشْرَارَ لأَنَّهُمْ يَكُونُونَ رَمَادًا تَحْتَ بُطُونِ أَقْدَامِكُمْ يَوْمَ أَفْعَلُ هذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.

نفس "يوم الرب" الذي هو دينونة للأشرار سيكون نفسه مكافأة للأبرار على أمانتهم. ربما يعاني الصديقون من الشر والضيقات التي يضطهدهم العالم الشرير بها، لكن هنا يعدهم الرب بالغلبة على الأشرار، "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ." (يو 16: 33).

4 اُذْكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي الَّتِي أَمَرْتُهُ بِهَا فِي حُورِيبَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ.

إن التمسك بوصايا وكلمة الله والعمل بها هو سر البركات في الحياة (تث 28: 1-14).

5 هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ،

أخبرهم الرب أنه سيرسل إليهم ملاكه (ملا 3: 1) ليهيئ الطريق أمامه. وهو الأمر الذي تحقق في يوحنا المعمدان، الذي قال عنه الملاك في بشراه لزكريا الكاهن أبيه: "وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا" (لو 1: 17)، فليس بالضرورة أن يكون هو شخص إيليا نفسه (1مل 17: 1- 2مل 2: 15) بل شخص آخر بقوة إيليا وروحه، كما ذكر الكتاب عن إليشع النبي عندما طلب إثنين من روح إيليا عليه (2مل 2: 9)، وقيل عنه: "قَدِ اسْتَقَرَّتْ رُوحُ إِيلِيَّا عَلَى أَلِيشَعَ." (2مل 2: 15). ولذلك عندما سُئل يوحنا: "إِيلِيَّا أَنْتَ؟" أنكر قائلا إنه ليس إيليا نفسه (يو 1: 21) في حين أن الرب يسوع المسيح قال عنه: "فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ." (مت 11: 14)، "وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا." (مت 17: 12 ومر 9: 13).

6 فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ.

كانت هذه هي رسالة المعمدان لإعداد طريق الرب (إش 40: 3) و(ملا 3: 1)، والتي تحققت بأنه "يرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم" في (مت 3: 3) و(لو 1: 17). أي يُحوِّل فكر الآباء الأبرار الذين على الرجاء انتظروا المسيح إلى الأبناء الذين في زمانهم يأتي المسيح الرب فيكونوا مستعدين للإيمان به. لذلك كما قال الملاك: "يردُّ كثيرين ويُهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو 1: 16-17).

وهنا ينتهي آخر سفر نبوي في العهد القديم بتحذير نهائي، بأن اللعنة هي المصير الأخير لمن لا يقبل السيد الرب عند مجيئه. وهنا نجد فرق كبير بين أول عبارة وآخر عبارة في العهد القديم. فيبدأ سفر التكوين بعبارة "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ." (تك 1: 1)، والتي تصف كمال الأيقونة التي رسمها الله بالخليقة وتوجها بالإنسان، نجد ذلك التحذير المخيف باللعنة في خاتمة سفر ملاخي "لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ." (ملا 4: 6)، وبين هذا وذاك نجد أن خطيئة البشر هي التي أحدثت كل هذا الفرق. فبينما يبدأ التكوين بالقوة العظيمة والكمال في خليقة الرب الإله، ينتهي في ملاخي بالخوف والإنذار باللعنة والانفصال عن الله والحاجة إلى ظهور الرب المُخلص.


الموضوع الأحدث

سبحوا الله في قُدسِهِ أَم سبحوا الله في قِدِّيسِيه؟

  العبارة الأولى في المزمور 150 " سبحوا الله في قُدسِهِ" أم "سبحوا الله في قِدِّيسِيه"؟ لماذا نجدها في بعض الترجمات &qu...

الأكثر قراءة