الخميس، 26 مايو 2022

تعليقات على سفر ملاخي ص4 - شمس البر وأجنحة الشفاء

 

1 فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ، وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلًا وَلاَ فَرْعًا.

"اليوم" هو يوم مجيء الرب (ملا 3: 1-2 و17). ويُشبِّه ملاخي هذا اليوم بـ "التنُّور" أي الموقد والفرن. وتمثيل يوم الرب بأنه "المُتقد كالتنُّور" يُشير لنار التنقية (ملا 3: 2-3) والدينونة (ملا 3: 5). وهذا تكلم عنه المزمور: "تجعلهم مثل تنور نارٍ في زمان حضورك؛ الرب بسخطه يبتلعهم، وتأكلهم النار" (مز 21: 9)، "قُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ وَتُحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ." (مز 97: 3). أما المستكبرون وفاعلو الشر (ملا 3: 15) هم القش، أي وقود هذه النار.

كانت هذه رسالة يوحنا المعمدان: "وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ." (مت 3: 10-12)، (لو 3: 9 و16-17). ويتفق مع ما ذكره الرب يسوع عن أغصان الكرمة غير المثمرة: "كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ... إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ." (يو 15: 2 و6).

2 وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا، فَتَخْرُجُونَ وَتَنْشَأُونَ كَعُجُولِ الصِّيرَةِ.

إذا كان يوم الرب هو يوم تنقية ودينونة للأشرار، إلا إنه يوم شفاء وفرح وشبع لمتقي الرب. فـ "المتقون" هم "متقو الرب" (ملا 3: 16) الذين عبدوا الرب بأمانة ذاكرين اسمه كل حين برغم ضلال وشر المجتمع المحيط بهم، وارتفاع المتكبرين والأشرار من حولهم. ولكن هذا لم يُفقدهم رجاءَهم في عدل الرب وصلاحه.

وإشراق "شمس البر" كناية عن ظهور الرب يسوع المسيح، وإشراقة علينا نحن الجلوس في الظلمة "اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ." (إش 9: 2)، "لأَنَّ الرَّبَّ، اللهَ، شَمْسٌ وَمِجَنٌّ. الرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْدًا. لاَ يَمْنَعُ خَيْرًا عَنِ السَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ." (مز 84: 11). فهو "نور العالم"(يو 8: 12)، شمس البر צְדָקָ֔ה (تصداقاه) أي بِرُّ الله الذي هو العدل والحق justice, righteousness، وبِرُّ المؤمنين أي تبريرهم وخلاصهم من خطاياهم vindication, justification, salvation.

فكما أن الشمس في طبيعتها نارٌ حارقة لكن في الوقت لها قوة شفائية مُطهرة "والشفاء في أجنحتها"، تعطي حياة لجميع الكائنات. كذلك ظهور بِرُّ الله على جميع الأمم سيكون دينونة للأشرار، وشفاء الخلاص من الخطية، وحياة أبدية للأبرار. و"أجنحتها" إشارة لـ "ملاك العهد" (ملا 3: 1) أي الرب نفسه وتعني الخلاص والنجاة والحماية والمعونة "وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ." (خر 19: 4)، "لِيُكَافِئِ الرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ." (را 2: 12)، (مز 17: 8 و36: 7 و57: 1 و63: 7)، "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا." (مت 23: 37 ولو 13: 34).

عند مجيء الرب يسوع المسيح، "تخرجون" تشير للاندفاع للخارج، أو للولادة مرة أخرى للحياة الجديدة متمتعين بضياء شمس البر. و"تنشأون" تشير إلى النمو والتقدم في الحياة مع الله، فنبلغ إلى الإنسان الكامل في المسيح (أف 4: 13 وكو 1: 28). "كعجول الصِّيرَة"، والصيرة هي المَعلف أو الحظيرة، مُتغذين على غِنَى ودسم وصايا الله وكلمته المشبعة.

3 وَتَدُوسُونَ الأَشْرَارَ لأَنَّهُمْ يَكُونُونَ رَمَادًا تَحْتَ بُطُونِ أَقْدَامِكُمْ يَوْمَ أَفْعَلُ هذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.

نفس "يوم الرب" الذي هو دينونة للأشرار سيكون نفسه مكافأة للأبرار على أمانتهم. ربما يعاني الصديقون من الشر والضيقات التي يضطهدهم العالم الشرير بها، لكن هنا يعدهم الرب بالغلبة على الأشرار، "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ." (يو 16: 33).

4 اُذْكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي الَّتِي أَمَرْتُهُ بِهَا فِي حُورِيبَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ.

إن التمسك بوصايا وكلمة الله والعمل بها هو سر البركات في الحياة (تث 28: 1-14).

5 هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ،

أخبرهم الرب أنه سيرسل إليهم ملاكه (ملا 3: 1) ليهيئ الطريق أمامه. وهو الأمر الذي تحقق في يوحنا المعمدان، الذي قال عنه الملاك في بشراه لزكريا الكاهن أبيه: "وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا" (لو 1: 17)، فليس بالضرورة أن يكون هو شخص إيليا نفسه (1مل 17: 1- 2مل 2: 15) بل شخص آخر بقوة إيليا وروحه، كما ذكر الكتاب عن إليشع النبي عندما طلب إثنين من روح إيليا عليه (2مل 2: 9)، وقيل عنه: "قَدِ اسْتَقَرَّتْ رُوحُ إِيلِيَّا عَلَى أَلِيشَعَ." (2مل 2: 15). ولذلك عندما سُئل يوحنا: "إِيلِيَّا أَنْتَ؟" أنكر قائلا إنه ليس إيليا نفسه (يو 1: 21) في حين أن الرب يسوع المسيح قال عنه: "فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ." (مت 11: 14)، "وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا." (مت 17: 12 ومر 9: 13).

6 فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ.

كانت هذه هي رسالة المعمدان لإعداد طريق الرب (إش 40: 3) و(ملا 3: 1)، والتي تحققت بأنه "يرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم" في (مت 3: 3) و(لو 1: 17). أي يُحوِّل فكر الآباء الأبرار الذين على الرجاء انتظروا المسيح إلى الأبناء الذين في زمانهم يأتي المسيح الرب فيكونوا مستعدين للإيمان به. لذلك كما قال الملاك: "يردُّ كثيرين ويُهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو 1: 16-17).

وهنا ينتهي آخر سفر نبوي في العهد القديم بتحذير نهائي، بأن اللعنة هي المصير الأخير لمن لا يقبل السيد الرب عند مجيئه. وهنا نجد فرق كبير بين أول عبارة وآخر عبارة في العهد القديم. فيبدأ سفر التكوين بعبارة "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ." (تك 1: 1)، والتي تصف كمال الأيقونة التي رسمها الله بالخليقة وتوجها بالإنسان، نجد ذلك التحذير المخيف باللعنة في خاتمة سفر ملاخي "لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ." (ملا 4: 6)، وبين هذا وذاك نجد أن خطيئة البشر هي التي أحدثت كل هذا الفرق. فبينما يبدأ التكوين بالقوة العظيمة والكمال في خليقة الرب الإله، ينتهي في ملاخي بالخوف والإنذار باللعنة والانفصال عن الله والحاجة إلى ظهور الرب المُخلص.


الخميس، 19 مايو 2022

تعليقات على سفر ملاخي ص3 - ارجعوا إليَّ أرجع إليكم


1 هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.

هنا يستخدم الوحي المعنى النبوي لاسم ملاخي "ملاكي" الذي يعني "ملاكي/رسولي" للإشارة للعصر المسياني. فقد أشارت الأناجيل لتحقق هذه النبوة بظهور يوحنا المعمدان "كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي، الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً»." (مر 1: 2-3) و(مت 11: 10) و(يوحنا 1: 6، 23) والذي سبق وتنبأ عنه إشعياء النبي (إش 40: 3).

إن المجيء المفاجئ "يأتي بغتة" من سمات مجيء الرب أن يأتي بغته بدون توقع. وقد جاء الرب يسوع المسيح في الجسد في هيئة ووقت غير متوقع فلم يعرفوه، وكذلك سيأتي في مجيئه الثاني في وقت لا يعرفه أحد (مت24: 42-44).

عندما صغُر في أعين اليهود الهيكل الثاني الذي بنوه بعد العودة من السبي بالمقارنة بعظمة وغنى الهيكل الأول الذي شيده سليمان أخبرهم حَجَّىْ النبي بأن مجد هذا الهيكل الثاني سيكون أعظم من الأول لأنه سيأتي إليه "مشتهى كل الأمم" حيث يُعطي الرب السلام (حج 2: 7-9). ونرى في (ملا 2) أيضا تساؤلهم: "أين إله العدل؟" فيعلن لهم هنا أن "السيد" إله العدل سيأتي وينبغي الاستعداد لمجيئه بالتوبة والرجوع لله (لو 3: 16-17).

ويُشير تعبير "مَلاَكُ الْعَهْدِ" لليد الرب نفسه. فقد تم التعبير عن ظهور الله في العهد القديم في عدة مواقف بظهور ملاك/ملاك يهوه. فظهر كملاك لأبينا إبراهيم مع ملاكين في هيئة ثلاث رجال (تك 17)، وظهر لـ يعقوب وصارعه (تك 32: 24) ودعاه يعقوب "الملاك" (تك 48: 3، 15-16). وظهر لـ موسى في العليقة المشتعلة ودعاه "ملاك الرب/يهوه" (خر 3: 2-6)، ومع يشوع (يش 5: 14- 6: 2) وجدعون (قض 6: 12-16). وهنا تُضيف نبوة ملاخي تعبير "ملاك العهد" إشارة للعهد مع الآباء وخاصة أبيهم يعقوب (تك 32: 24 و35: 9) الذي يُشار إليه في النبوة عدة مرات بـ يعقوب وإسرائيل. وفي (إش 63: 9) أشار إشعياء النبي لهذا الملاك بتعبير "ملاك حضرته" وحضرته פָּנָיו֙ تعني: حضور/وجه/شخص presence/face/person الله.

2 وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ؟ وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟ لأَنَّهُ مِثْلُ نَارِ الْمُمَحِّصِ، وَمِثْلُ أَشْنَانِ الْقَصَّارِ. 3 فَيَجْلِسُ مُمَحِّصًا وَمُنَقِّيًا لِلْفِضَّةِ. فَيُنَقِّي بَنِي لاَوِي وَيُصَفِّيهِمْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِيَكُونُوا مُقَرَّبِينَ لِلرَّبِّ، تَقْدِمَةً بِالْبِرِّ. 4 فَتَكُونُ تَقْدِمَةُ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ مَرْضِيَّةً لِلرَّبِّ كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ وَكَمَا فِي السِّنِينَ الْقَدِيمَةِ.

مجيء الرب مهوب ومخوف، فكما أعلن سمعان الشيخ: "ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين" (لو 2: 34). فمجيء الرب سيكون للخلاص والتطهير ودينونة لغير المستعدين.

يُشَبِّه ملاخي عمل الرب في تطهير شعبه بـ "نار المُمَحِّص"، وهي عملية تمحيص الذهب والفضة بتخليصهم من الشوائب المختلطة بهم، ويتم ذلك بتعريض المعدن لنار شديدة، تؤدي لانصهار المعدن فتنفصل عنه الشوائب، ويتبقى المعدن خالصا. وقد أشار يوحنا المعمدان بأن الرب عند مجيئه سيُعمد "بالروح القدس ونار" (مت 3: 11). وأيضا مثل "أشنان القصار"، والأشنان هي مادة قلوية للتنظيف مثل الصابون والبوتاس، والقصَّار هو الشخص الذي يُبيِّض النسيج بعد نسجه. فيكون عمل الرب كما يقول المزمور: "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز 51: 7).

سيتولى الرب نفسه مهمة تنقية الكهنة والخدام وتطهيرهم بالنار ليحرق كل شوائب الخطية، لتصبح خدمتهم للرب مقبولة ويخدمونه بطهارة كما يليق. وتعود خدمتهم بتقديم ذبائح وتقدمات يهوذا مقبولة لدى الله مرة أخرى. وفي كل هذا إشارة للتطهير الخلاصي الذي تممه الرب يسوع المسيح لجنسنا، ووهبنا به "غسل الميلاد الثاني" (تي 3: 5) بمعمودية التجديد والولادة من "الماء والروح" (يو 3: 5)، والتي أشار إليها إشعياء نبويا إذ قال: "إذا غسل السيد قذر بنات صهيون ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الاحراق" (إش 4: 4).

5 وَأَقْتَرِبُ إِلَيْكُمْ لِلْحُكْمِ، وَأَكُونُ شَاهِدًا سَرِيعًا عَلَى السَّحَرَةِ وَعَلَى الْفَاسِقِينَ وَعَلَى الْحَالِفِينَ زُورًا وَعَلَى السَّالِبِينَ أُجْرَةَ الأَجِيرِ: الأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ، وَمَنْ يَصُدُّ الْغَرِيبَ وَلاَ يَخْشَانِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 6 لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ فَأَنْتُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ تَفْنُوا.

إذ كان الشعب تشكك في صلاح الله وقالوا: أن كل من يفعل الشر صالح في عيني الرب وأن الرب يُسر بالأشرار (ملا 2: 17) وتساءلوا: "أين إله العدل؟". يجيبهم الله هنا بأن موعد الحكم عليهم اقترب وسيكون بنفسه شاهدا على جميع خطاياهم.

7 مِنْ أَيَّامِ آبَائِكُمْ حِدْتُمْ عَنْ فَرَائِضِي وَلَمْ تَحْفَظُوهَا. ارْجِعُوا إِلَيَّ أَرْجعْ إِلَيْكُمْ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَقُلْتُمْ: بِمَاذَا نَرْجعُ؟

الرب لا يتغير ويحفظ عهوده وطول أناته لا تنتهي فلا يُهلك شعبه بسبب خطاياهم برغم أن الشعب يكرر خطايا آبائه محتقرا وصايا الله. لذلك يدعوهم الرب للرجوع إليه قائلا: "ارجعوا إلىَّ أرجع إليكم". ففي الوقت الذي يُعرِّف الرب شعبه بخطاياهم ويعلن اقتراب الدينونة يُقدم لهم دعوته للتوبة والرجوع إليه. وعندما يقول الرب" "أرجع إليكم"، لا تعني أن الرب تركهم - لأن الرب دائما كان يتعهدهم بالأنبياء ويعتني بهم ليعودوا إليه - بل تعني عودة تمتعهم بالبركات الإلهية التي فقدوها نتيجة لعدم أمانتهم وعدم حفظهم الوصايا.

عندما دعاهم الرب للرجوع إليه تسائلوا: "بماذا نرجع؟" وكأنهم غير مدركين لخطاياهم! وفقدوا القدرة على محاسبة أنفسهم في تقصيرهم في وصايا الرب.

8 أَيَسْلُبُ الإِنْسَانُ اللهَ؟ فَإِنَّكُمْ سَلَبْتُمُونِي. فَقُلْتُمْ: بِمَ سَلَبْنَاكَ؟ فِي الْعُشُورِ وَالتَّقْدِمَةِ. 9 قَدْ لُعِنْتُمْ لَعْنًا وَإِيَّايَ أَنْتُمْ سَالِبُونَ، هذِهِ الأُمَّةُ كُلُّهَا. 10 هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ، وَجَرِّبُونِي بِهذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، إِنْ كُنْتُ لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوَى السَّمَاوَاتِ، وَأَفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لاَ تُوسَعَ. 11 وَأَنْتَهِرُ مِنْ أَجْلِكُمْ الآكِلَ فَلاَ يُفْسِدُ لَكُمْ ثَمَرَ الأَرْضِ، وَلاَ يُعْقَرُ لَكُمُ الْكَرْمُ فِي الْحَقْلِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 12 وَيُطَوِّبُكُمْ كُلُّ الأُمَمِ، لأَنَّكُمْ تَكُونُونَ أَرْضَ مَسَرَّةٍ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.

إن الله ليس في احتياج للعشور (الأموال والعطايا) والتقدمات (الذبائح) في حد ذاتها لأنه هو المُعطي لشعبه كل شيء، لكنه أمر بها في الشريعة ليتذكر الشعب دائما أنهم يقدمون مما للرب، "وَلكِنْ مَنْ أَنَا، وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَنْتَدِبَ هكَذَا؟ لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ." (1 أخ 29: 14). فعندما نمنع أنفسنا من العطاء فكأننا نسلب ونسرق الله. فالله يطلب أن يرى المحبة والرحمة في التقدمات "ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ." (مز 51: 17)، "إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ." (هو 6: 6).

فإن كان الرب يرفض التقدمات الخالية من المحبة والرحمة فكم يكون الإجرام في حق الله إذ سلبت الأمة كلها التقدمات ومنعوها عن بيت الرب. وهنا يُريهم الله أن معاناتهم وسوء أحوالهم ليس بسبب عدم صلاح الرب لكن بسبب اللعنة التي حلت عليهم لعدم طاعة وصايا الرب (تث 28: 15-66). ويعود الرب ويجدد لهم الوعد بالبركات (تث 28: 1-14) إن رجعوا إليه وقدموا له عبادتهم وتقدماتهم بأمانه، فيختبروا أمانة الرب معهم إذ يفيض عليهم بالبركات.

13 أَقْوَالُكُمُ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ، قَالَ الرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: مَاذَا قُلْنَا عَلَيْكَ؟ 14 قُلْتُمْ: عِبَادَةُ اللهِ بَاطِلَةٌ، وَمَا الْمَنْفَعَةُ مِنْ أَنَّنَا حَفِظْنَا شَعَائِرَهُ، وَأَنَّنَا سَلَكْنَا بِالْحُزْنِ قُدَّامَ رَبِّ الْجُنُودِ؟ 15 وَالآنَ نَحْنُ مُطَوِّبُونَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَأَيْضًا فَاعِلُو الشَّرِّ يُبْنَوْنَ. بَلْ جَرَّبُوا اللهَ وَنَجَوْا.

اختَلَّت لديهم المفاهيم وتكلموا على الرب بأقوال صعبة: (1) عبادة الله غير مجدية (2) ما المنفعة إن حفظنا شعائره وسلكنا بالحزن (بالتوبة والانسحاق) أمامه؟ (3) فلنطوب المستكبرين (4) الأشرار هم السعداء فهم تركوا الوصايا مجربين الرب ونجحوا.

16 حِينَئِذٍ كَلَّمَ مُتَّقُو الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَالرَّبُّ أَصْغَى وَسَمِعَ، وَكُتِبَ أَمَامَهُ سِفْرُ تَذْكَرَةٍ لِلَّذِينَ اتَّقُوا الرَّبَّ وَلِلْمُفَكِّرِينَ فِي اسْمِهِ. 17 وَيَكُونُونَ لِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً، وَأُشْفِقُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُشْفِقُ الإِنْسَانُ عَلَى ابْنِهِ الَّذِي يَخْدِمُهُ.

وهنا يأتي دور "متقو الرب"، وهم البقية الأمينة للرب في كل مكان وزمان. يحفظون كلمة الرب ويتكلمون بها فيما بينهم دائما مُذَكِرين أخوتهم بها. "وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: اعْبُرْ فِي وَسْطِ الْمَدِينَةِ، فِي وَسْطِ أُورُشَلِيمَ، وَسِمْ سِمَةً عَلَى جِبَاهِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَئِنُّونَ وَيَتَنَهَّدُونَ عَلَى كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الْمَصْنُوعَةِ فِي وَسْطِهَا." (حز 9: 4). دائما ما تكون هذه البقية من "متقو الرب" سبب بركة ورجاء "وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ وَالَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ، يُسَمَّى قُدُّوسًا. كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيمَ." (إش 3: 3). ينعمون بالوعد ببركات الرب.

إن الرب أمين. يُصغي ويسمع ويتذكر الأتقياء الذين يفكرون في اسمه القدوس. ويتخذهم الرب "خاصة" له، فيقول الرب أنهم سيكونون من خاصته في يوم مجيئه (ملا 3: 1). يعرفهم ويعرفونه، "أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي،" (يو 10: 14)، "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ." (يو 1: 12)، كوعده لهم منذ القديم "فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ." (خر 19: 5). فيشفق الرب عليهم كأب على ابنه الذي يخدمه "أَنَّ الرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ." (مز 135: 14)، فإن كنا من جهتنا أمناء كخدام لله لكنه يُشفق علينا كمن في منزلة الأبناء، فيرفعنا ويهبنا البنوة. ويكتب أسمائهم أمامه في "سفر تذكرة"، إشارة لـ "سفر الحياة" (في 4: 3)، (رؤ 3: 5 و20: 15).

18 فَتَعُودُونَ وَتُمَيِّزُونَ بَيْنَ الصِّدِّيقِ وَالشِّرِّيرِ، بَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَمَنْ لاَ يَعْبُدُهُ.

الشرير ليس كالصديق، ومن يعبد الرب لا يتساوى مع من لا يعبده. وسيظهر ذلك جليا عندما يمنح الرب متقيه مجد البنين.



الخميس، 12 مايو 2022

تعليقات على سفر ملاخي ص2 - كهنة منحرفون وشعب دنس

 

1 وَالآنَ إِلَيْكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الْكَهَنَةُ:

في هذا الجزء (ملا 2: 1-9) يتكلم ملاخي النبي إلى الكهنة. "الوصية" هي المُشار إليها هنا هي (ملا 2: 7) أن الكاهن مسؤول عن معرفة وصايا الرب والعمل بالشريعة، وهو الأمر الذي أوصت به الشريعة: "وَاذْهَبْ إِلَى الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وَإِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَاسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ. فَتَعْمَلُ حَسَبَ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ، وَتَحْرِصُ أَنْ تَعْمَلَ حَسَبَ كُلِّ مَا يُعَلِّمُونَكَ. حَسَبَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي يُعَلِّمُونَكَ وَالْقَضَاءِ الَّذِي يَقُولُونَهُ لَكَ تَعْمَلُ. لاَ تَحِدْ عَنِ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا." (تث 17: 9-11). وهو التكليف الذي كلف به الرب هارون من جهة الكهنة بنيه قائلا: "وَكَلَّمَ الرَّبُّ هَارُونَ قَائِلًا: خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى." (لا 10: 8-11). فالرسالة هنا موجهة للكهنة لبيان انحرافهم عن العهد مع الله والوصية التي كانوا مُكلفين بها.

2 إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَجْعَلُونَ فِي الْقَلْبِ لِتُعْطُوا مَجْدًا لاسْمِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَإِنِّي أُرْسِلُ عَلَيْكُمُ اللَّعْنَ، وَأَلْعَنُ بَرَكَاتِكُمْ، بَلْ قَدْ لَعَنْتُهَا، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ.

إن الكهنة خدام الله هم الأولى بسماع وصايا الله وتنفيذها بكل قلوبهم، وأن تكون غايتهم الأسمى هي تمجيد اسم الله. ولكن الكهنة في زمن ملاخي أهملوا الشريعة ولم يقدموا الخدمة اللائقة من القلب لله "لا تجعلون في القلب"، بل كما رأينا في (ملا 1) تهاونهم وتذمرهم من الخدمة واعتبارها عبء غير مُجدي.

عندما ينحرف الكهنة عن غاية خدمتهم تتحول بركة خدمتهم إلى دينونة، لهذا يقول لهم: "ألعنُ بركاتَكم". كان الكهنة هم وسطاء العهد المقدس الذين يقدمون الذبائح فتتبارك الأمة كلها، فإن تحول مصدر البركة إلى لعنة، فماذا لهم بعد؟ فبالانحراف عن وصايا الرب وإهمالها تتحول بركات الحياة إلى لعنات. والسبب هو: "لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ"، أي لأنهم لم يحرصوا على أن يجعلوا في قلوبهم اتباع شريعة الرب، "إِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ... تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ الْبَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ... وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتُدْرِكُكَ" (تث 28: 1- 2 و15).

لذلك يُعلن الربُ هنا أنه بالفعل قد لعن بركاتهم، فما يعانوه ويقاسوه في الحياة ليس بسبب عدم عدل وصلاح الله كما ظنوا، لكن لأن بركات حياتهم تحولت إلى لعنات بسبب عدم أمانة قلوبهم نحو الله.

3 هأَنَذَا أَنْتَهِرُ لَكُمُ الزَّرْعَ، وَأَمُدُّ الْفَرْثَ عَلَى وُجُوهِكُمْ، فَرْثَ أَعْيَادِكُمْ، فَتُنْزَعُونَ مَعَهُ. 4 فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ لِكَوْنِ عَهْدِي مَعَ لاَوِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.

بركة الزرع التي تعطيها لهم الأرض لا يعودوا يأخذونها، "مَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ... مَلْعُونَةً تَكُونُ.. ثَمَرَةُ أَرْضِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ.. تَغْرِسُ كَرْمًا وَلاَ تَسْتَغِلُّهُ... ثَمَرُ أَرْضِكَ وَكُلُّ تَعَبِكَ يَأْكُلُهُ شَعْبٌ لاَ تَعْرِفُهُ... بِذَارًا كَثِيرًا تُخْرِجُ إِلَى الْحَقْلِ، وَقَلِيلًا تَجْمَعُ، لأَنَّ الْجَرَادَ يَأْكُلُه. كُرُومًا تَغْرِسُ وَتَشْتَغِلُ، وَخَمْرًا لاَ تَشْرَبُ وَلاَ تَجْنِي، لأَنَّ الدُّودَ يَأْكُلُهَا. يَكُونُ لَكَ زَيْتُونٌ فِي جَمِيعِ تُخُومِكَ، وَبِزَيْتٍ لاَ تَدَّهِنُ، لأَنَّ زَيْتُونَكَ يَنْتَثِرُ... جَمِيعُ أَشْجَارِكَ وَأَثْمَارِ أَرْضِكَ يَتَوَلاَّهُ الصَّرْصَرُ." (تث 28: 16-42).

العهد مع "لاوي" بدأ عندما اختار الرب سبط لاوي ليكون مخصص لخدمة الرب (تث 10: 8-9) ومنه يخرج الكهنة من بني "هارون" فقط. وتم اختيار اللاويين كنصيب للرب عوضا عن تكريس كل بكر من أبكار بني إسرائيل (عد 3: 39-51). ولكن بدلا من أن يكون نصيبهم هو بركة خدمة يهوه "رب الجنود"، أصبح نصيبهم هو اللعنة.

فبدلا من أن تفرح وجوههم في أعياد الرب، يصبح "الفَرْثُ" هو نصيبهم. والفرث الرَوَث والفضلات المتبقية في أمعاء الذبيحة. وكان غير مقبول أن يُقدَّم للرب فكان يُنزع من الذبيحة ولا يُقدَّم على المذبح، بل يُحرق بعيدا خارج المحلة في مكان الرماد لأنه كان يُعتبر نجاسة. فنثر الفَرْث على الوجه كان يُعتبر إهانة لأنهم كما احتقروا الرب فهو سيحتقرهم أيضا. وبرغم أن من المُفترض أن تكون ذبائح الأعياد مناسبة فرح وسرور (عد 2: 10 و15: 3)، إلا أن الله سينزعهم من أمامه كما يُنزع بعيدا فَرْثُ تلك ذبائح، فلا يتمتعون بعد بأعياد الرب لأن الرب كرهها "رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي." (إش 1: 14)، "بَغَضْتُ، كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ... وَأُحَوِّلُ أَعْيَادَكُمْ نَوْحًا.." (عا 5: 21 و8: 10).

5 كَانَ عَهْدِي مَعَهُ لِلْحَيَاةِ وَالسَّلاَمِ، وَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُمَا لِلتَّقْوَى فَاتَّقَانِي، وَمِنِ اسْمِي ارْتَاعَ هُوَ. 6 شَرِيعَةُ الْحَقِّ كَانَتْ فِي فِيهِ، وَإِثْمٌ لَمْ يُوجَدْ فِي شَفَتَيْهِ. سَلَكَ مَعِي فِي السَّلاَمِ وَالاسْتِقَامَةِ، وَأَرْجَعَ كَثِيرِينَ عَنِ الإِثْمِ.

يُذكِّرهم هنا كيف كان سبط لاوي أمينا لله وكيف إنه وقف ضد ضلال باقي الأسباط عندما عبدوا العجل الذهبي (خر 32: 36-28)، وعندما زنوا مع الوثنيات "فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ قَدْ رَدَّ سَخَطِي عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكَوْنِهِ غَارَ غَيْرَتِي فِي وَسَطِهِمْ حَتَّى لَمْ أُفْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِغَيْرَتِي. لِذلِكَ قُلْ: هأَنَذَا أُعْطِيهِ مِيثَاقِي مِيثَاقَ السَّلاَمِ، فَيَكُونُ لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِيثَاقَ كَهَنُوتٍ أَبَدِيٍّ، لأَجْلِ أَنَّهُ غَارَ للهِ وَكَفَّرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ." (عد 25: 11-13).

7 لأَنَّ شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ، لأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ. 8 أَمَّا أَنْتُمْ فَحِدْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ وَأَعْثَرْتُمْ كَثِيرِينَ بِالشَّرِيعَةِ. أَفْسَدْتُمْ عَهْدَ لاَوِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 9 فَأَنَا أَيْضًا صَيَّرْتُكُمْ مُحْتَقَرِينَ وَدَنِيئِينَ عِنْدَ كُلِّ الشَّعْبِ، كَمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَحْفَظُوا طُرُقِي، بَلْ حَابَيْتُمْ فِي الشَّرِيعَةِ.

تظهر أمانة اللاويين ودور الكهنة في معرفة الشريعة وتعليمها للشعب كوصية الله، "إِذَا عَسِرَ عَلَيْكَ أَمْرٌ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ دَمٍ وَدَمٍ، أَوْ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى، أَوْ بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَضَرْبَةٍ مِنْ أُمُورِ الْخُصُومَاتِ فِي أَبْوَابِكَ، فَقُمْ وَاصْعَدْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ، وَاذْهَبْ إِلَى الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وَإِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَاسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ. فَتَعْمَلُ حَسَبَ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ، وَتَحْرِصُ أَنْ تَعْمَلَ حَسَبَ كُلِّ مَا يُعَلِّمُونَكَ. حَسَبَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي يُعَلِّمُونَكَ وَالْقَضَاءِ الَّذِي يَقُولُونَهُ لَكَ تَعْمَلُ. لاَ تَحِدْ عَنِ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا." (تث 17: 8-11). وفي بركة موسى لسبط لاوي عندما قال: "تُمِّيمُكَ وَأُورِيمُكَ لِرَجُلِكَ الصِّدِّيقِ، الَّذِي جَرَّبْتَهُ فِي مَسَّةَ وَخَاصَمْتَهُ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ. الَّذِي قَالَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ: لَمْ أَرَهُمَا، وَبِإِخْوَتِهِ لَمْ يَعْتَرِفْ، وَأَوْلاَدَهُ لَمْ يَعْرِفْ، بَلْ حَفِظُوا كَلاَمَكَ وَصَانُوا عَهْدَكَ. يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ، وَإِسْرَائِيلَ نَامُوسَكَ. يَضَعُونَ بَخُورًا فِي أَنْفِكَ، وَمُحْرَقَاتٍ عَلَى مَذْبَحِكَ. بَارِكْ يَا رَبُّ قُوَّتَهُ، وَارْتَضِ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. احْطِمْ مُتُونَ مُقَاوِمِيهِ وَمُبْغِضِيهِ حَتَّى لاَ يَقُومُوا." (تث 33: 8-11).

ما أعظم الفارق بين دور الكهنة كما رسمه الرب: "خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ، وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى" (لا 10: 9-11)، والكهنة في زمن ملاخي. فبدلا من أن يقودوا الآخرين في طريق الرب هم أنفسهم ضلوا عن الطريق. وبسبب إهمالهم للوصايا أعثروا الشعب في الشريعة إذ جعلوه يرى أنها مُحتقرة وغير مجدية، فأفسدوا "عهد لاوي" إذ كان منوطًا به أن يكون أمينًا على الشريعة ومُعلمًا لها.

بسبب اختيار الرب لهم والدور الذي رسمه لبني لاوي والكهنة في شريعته كانوا مُكرمين في أعين الشعب ولهم نصيبا في البركات الإلهية، فلما قصروا تجاه شريعة الرب – التي هي سبب كرامتهم – بالإهمال والتساهل فقدوا النعمة والاحترام في أعين الشعب وصاروا مُحتَقرين.

10 أَلَيْسَ أَبٌ وَاحِدٌ لِكُلِّنَا؟ أَلَيْسَ إِلهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟ فَلِمَ نَغْدُرُ الرَّجُلُ بِأَخِيهِ لِتَدْنِيسِ عَهْدِ آبَائِنَا؟

الأب الواحد والإله الواحد هو الرب "أبٌ واحد... إلهٌ واحد". فالله منذ البدء يتكلم عن شعبه المؤمنين به كأبناء له: "إسرائيل ابني البكر" (خر4: 22)، "قدموا للرب يا أبناء الله..." (مز 29: 1)، "يا ابني أعطني قلبك" (أم23: 26)، والمؤمنون يدعون الرب أبوهم: "فَإِنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إِبْرَاهِيمُ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِنَا إِسْرَائِيلُ. أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، وَلِيُّنَا مُنْذُ الأَبَدِ اسْمُكَ... وَالآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ." (إش 63: 16 و64: 8). فمن حنو الرب ونعمته علينا كخالق لا يعتبرنا عبيد، بل وهبنا نعمة البنوة فيدعونا أبناء ونحن ندعوه أب.

إن خطية الفرد تضر الجماعة لأنها تُدَنس العهد بإدخال فكر غريب ونجس لجماعة الرب، فيُعثر باقي أخوته ويجعلهم معرضين للسقوط وخيانة عهد آبائهم (خر 24: 4-8). فتدنيس الفرد للعهد مع الرب خيانة وغدر لأخوته، فمن يغدر بعهد الله لا يكون أيضًا أمينا في عهده مع أخوته.

11 غَدَرَ يَهُوذَا، وَعُمِلَ الرِّجْسُ فِي إِسْرَائِيلَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. لأَنَّ يَهُوذَا قَدْ نَجَّسَ قُدْسَ الرَّبِّ الَّذِي أَحَبَّهُ، وَتَزَوَّجَ بِنْتَ إِلهٍ غَرِيبٍ. 12 يَقْطَعُ الرَّبُّ الرَّجُلَ الَّذِي يَفْعَلُ هذَا، السَّاهِرَ وَالْمُجِيبَ مِنْ خِيَامِ يَعْقُوبَ، وَمَنْ يُقَرِّبُ تَقْدِمَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ. 13 وَقَدْ فَعَلْتُمْ هذَا ثَانِيَةً مُغَطِّينَ مَذْبَحَ الرَّبِّ بِالدُّمُوعِ، بِالْبُكَاءِ وَالصُّرَاخِ، فَلاَ تُرَاعَى التَّقْدِمَةُ بَعْدُ، وَلاَ يُقْبَلُ الْمُرْضِي مِنْ يَدِكُمْ.

أوصى الله شعبه في الشريعة بعدم الزواج من الأمم الوثنية: "وَلاَ تُصَاهِرْهُمْ. بْنَتَكَ لاَ تُعْطِ لابْنِهِ، وَبِنتْهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ. لأَنَّهُ يَرُدُّ ابْنَكَ مِنْ وَرَائِي فَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى، فَيَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ وَيُهْلِكُكُمْ سَرِيعًا." (تث 7: 3-4). بالعهد مع الله أصبح الشعب وكل إنسان "قُدس الرب" أي مُقدَّس ومخصص للرب والاختلاط بالأمم بالزواج يُفسد شعب الله ككل أو الإنسان كفرد، قدس الرب، ويُنجسه بعبادة آلهة غريبة. وهنا نجد مقابلة بين الرب "الذي أحبه" وإله وثني "إله غريب"، فكأنه يقول لهم: كيف تتركون الرب الذي أحبكم واختاركم وأقام عهده مع آبائكم وشملكم بعنايته وبركاته وتتبعوا "إله غريب" لا تعرفوه ولا يعرفكم ولا يقدر أن يُقدم أي شيء لكم.

ويظهر هنا أن تدنيس العهد مع الله له ثلاث عواقب:

(1) فردية: يُقطع الرجل الذي يفعل هذا. عندما يُنجس المؤمن نفسه فإنه يقطع نفسه رعاية الله ومن جماعة الرب.

(2) جماعية: يُقطع "الساهر والمُجيب من خيام يعقوب". الساهر والمُجيب هم الذين يسهرون للحراسة فينادون ويجيبون على بعضهم البعض أثناء نوبتهم. وتُشير لفقدان الحماية لأنهم سمحوا للغرباء الوثنيين بالشركة معهم ففقدوا الأمان. وقد تشير "الساهر" للسادة المسئولين و"المُجيب" للشعب الخاضع لسادته، فتكون العواقب على الجميع سيدًا كان أم مَسُودًا.

(3) روحية: يُقطع من يُقدم "تقدمة لرب الجنود". فلا يعود الرب يقبل عبادتهم وهم على هذا الحال فيُصبح حتى من يُقدم التقدمات مرفوضًا من الله لأنه لا شركة بين الله والأوثان.

إن خطية الاختلاط بالأمم الوثنية فعلوها سابقا عندما زنوا مع بنات موءاب وزاغوا عن الرب "وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي شِطِّيمَ، وَابْتَدَأَ الشَّعْبُ يَزْنُونَ مَعَ بَنَاتِ مُوآبَ. فَدَعَوْنَ الشَّعْبَ إِلَى ذَبَائِحِ آلِهَتِهِنَّ، فَأَكَلَ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا لآلِهَتِهِنَّ. وَتَعَلَّقَ إِسْرَائِيلُ بِبَعْلِ فَغُورَ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ." (عد 25: 1-3)، وبعد العودة من السبي فعلوها أيضا في أيام عزرا ونحميا (عز 9: 1-2) و(نح 10: 30).

ويُشير هنا إلى (عز 10: 1) عندما بكى عزرا وجميع الشعب في بيت الرب للتوبة عن زواجهم بالوثنيات وخيانتهم للرب. ولكن هنا في (ملا 2: 13) يتجدد الدموع والبكاء والصراخ من النساء اللائي هجرهن أزواجهن وطلقوهن للزواج من الوثنيات. قام الشعب أيام عزرا (عز 10) بالتوبة وتقديم الذبائح عن هذه الخطية. ولكن الآن لا يعود الله ليقبل ذبائحكم وتقدماتكم لأنكم خنتم الرب مرة أخرى.

14 فَقُلْتُمْ: لِمَاذَا؟ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا، وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ. 15 أَفَلَمْ يَفْعَلْ وَاحِدٌ وَلَهُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ؟ وَلِمَاذَا الْوَاحِدُ؟ طَالِبًا زَرْعَ اللهِ. فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ وَلاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِامْرَأَةِ شَبَابِهِ. 16 لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاَقَ، قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ يُغَطِّيَ أَحَدٌ الظُّلْمَ بِثَوْبِهِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ لِئَلاَّ تَغْدُرُوا.

الزواج هو من البدء رسم إلهي يكون الرب هو الشاهد فيه بين عهد الرجل والمرأة وفيه يُخصص كل منهما نفسه للآخر فيُصبحان واحدًا، "لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا." (تك 2: 24). لذلك عندما يتخذ الرجل له نساء من الوثنيات فهو يغدر بامرأة شبابه إما بأنه يجعل معها زوجة ثانية تشاركها فيه، أو بتطليقها ونقض العهد معها.

فالله جعلهما – الرجل والمرأة – بالزواج واحدًا، فكل منهما هو بقية روح الآخر كأنهما روحاً واحدًا، وذلك لطلب زرع الله أي النسل المُقدس والذرية التي تتبع الله. لذلك يكره الرب الطلاق لأنه كسر للوحدة – بين الرجل والمرأة – كما رسمها الله منذ البدء (مت 19: 4) و(تك 2: 24). لهذا يُسمى الطلاق هنا "ظُلم" لأنه غدر بالمرأة التي تعاهد الرجل على الحياة معها طوال العُمر، وأيضا كسر لرسم الله الذي وضعه منذ البدء.

17 لَقَدْ أَتْعَبْتُمُ الرَّبَّ بِكَلاَمِكُمْ. وَقُلْتُمْ: بِمَ أَتْعَبْنَاهُ؟ بِقَوْلِكُمْ: كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الشَّرَّ فَهُوَ صَالِحٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَهُوَ يُسَرُّ بِهِمْ. أَوْ: أَيْنَ إِلهُ الْعَدْلِ؟

عندما يفقد الإنسان البركة في حياته بسبب الخطية، بدلا من أن ينتبه ويلوم نفسه، يحاول على العكس تبرير ذاته بنسب عدم الصلاح لله والتشكيك في عدله، فيُدين الله بدلا من أن يُدين نفسه على خطاياه.





الموضوع الأحدث

سبحوا الله في قُدسِهِ أَم سبحوا الله في قِدِّيسِيه؟

  العبارة الأولى في المزمور 150 " سبحوا الله في قُدسِهِ" أم "سبحوا الله في قِدِّيسِيه"؟ لماذا نجدها في بعض الترجمات &qu...

الأكثر قراءة