1 هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.
هنا يستخدم
الوحي المعنى النبوي لاسم ملاخي "ملاكي"
الذي يعني "ملاكي/رسولي" للإشارة للعصر المسياني. فقد أشارت الأناجيل
لتحقق هذه النبوة بظهور يوحنا المعمدان "كَمَا
هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ
مَلاَكِي، الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ،
اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً»." (مر 1: 2-3) و(مت
11: 10) و(يوحنا 1: 6، 23) والذي سبق وتنبأ عنه إشعياء النبي (إش 40: 3).
إن المجيء
المفاجئ "يأتي بغتة" من سمات
مجيء الرب أن يأتي بغته بدون توقع. وقد جاء الرب يسوع المسيح في الجسد في هيئة
ووقت غير متوقع فلم يعرفوه، وكذلك سيأتي في مجيئه الثاني في وقت لا يعرفه أحد
(مت24: 42-44).
عندما صغُر في
أعين اليهود الهيكل الثاني الذي بنوه بعد العودة من السبي بالمقارنة بعظمة وغنى
الهيكل الأول الذي شيده سليمان أخبرهم حَجَّىْ النبي بأن مجد هذا الهيكل الثاني
سيكون أعظم من الأول لأنه سيأتي إليه "مشتهى
كل الأمم" حيث يُعطي الرب
السلام (حج 2: 7-9). ونرى في (ملا 2) أيضا تساؤلهم: "أين
إله العدل؟" فيعلن لهم هنا أن "السيد"
إله العدل سيأتي وينبغي الاستعداد لمجيئه بالتوبة والرجوع لله (لو 3: 16-17).
ويُشير تعبير "مَلاَكُ الْعَهْدِ" لليد الرب نفسه. فقد تم التعبير عن ظهور
الله في العهد القديم في عدة مواقف بظهور ملاك/ملاك يهوه. فظهر كملاك لأبينا
إبراهيم مع ملاكين في هيئة ثلاث رجال (تك 17)، وظهر لـ يعقوب وصارعه (تك 32: 24)
ودعاه يعقوب "الملاك" (تك 48: 3، 15-16). وظهر لـ موسى في العليقة
المشتعلة ودعاه "ملاك الرب/يهوه" (خر 3: 2-6)، ومع يشوع (يش 5: 14- 6: 2) وجدعون (قض
6: 12-16). وهنا تُضيف نبوة ملاخي تعبير "ملاك
العهد" إشارة للعهد مع الآباء وخاصة أبيهم يعقوب (تك 32: 24 و35:
9) الذي يُشار إليه في النبوة عدة مرات بـ يعقوب وإسرائيل. وفي (إش 63: 9) أشار
إشعياء النبي لهذا الملاك بتعبير "ملاك
حضرته" وحضرته פָּנָיו֙ تعني: حضور/وجه/شخص presence/face/person الله.
2 وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ؟ وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟ لأَنَّهُ مِثْلُ نَارِ الْمُمَحِّصِ، وَمِثْلُ أَشْنَانِ الْقَصَّارِ. 3 فَيَجْلِسُ مُمَحِّصًا وَمُنَقِّيًا لِلْفِضَّةِ. فَيُنَقِّي بَنِي لاَوِي وَيُصَفِّيهِمْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِيَكُونُوا مُقَرَّبِينَ لِلرَّبِّ، تَقْدِمَةً بِالْبِرِّ. 4 فَتَكُونُ تَقْدِمَةُ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ مَرْضِيَّةً لِلرَّبِّ كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ وَكَمَا فِي السِّنِينَ الْقَدِيمَةِ.
مجيء الرب مهوب
ومخوف، فكما أعلن سمعان الشيخ: "ها إن هذا قد
وُضع لسقوط وقيام كثيرين" (لو 2: 34). فمجيء الرب سيكون للخلاص
والتطهير ودينونة لغير المستعدين.
يُشَبِّه ملاخي
عمل الرب في تطهير شعبه بـ "نار
المُمَحِّص"، وهي عملية تمحيص الذهب والفضة بتخليصهم من الشوائب
المختلطة بهم، ويتم ذلك بتعريض المعدن لنار شديدة، تؤدي لانصهار المعدن فتنفصل عنه
الشوائب، ويتبقى المعدن خالصا. وقد أشار يوحنا المعمدان بأن الرب عند مجيئه سيُعمد
"بالروح القدس ونار" (مت 3:
11). وأيضا مثل "أشنان القصار"، والأشنان هي مادة قلوية للتنظيف مثل الصابون
والبوتاس، والقصَّار هو الشخص الذي يُبيِّض النسيج بعد نسجه. فيكون عمل الرب كما
يقول المزمور: "تغسلني فأبيض أكثر من
الثلج" (مز 51: 7).
سيتولى الرب نفسه مهمة تنقية الكهنة والخدام وتطهيرهم بالنار ليحرق كل
شوائب الخطية، لتصبح خدمتهم للرب مقبولة ويخدمونه بطهارة كما يليق. وتعود خدمتهم
بتقديم ذبائح وتقدمات يهوذا مقبولة لدى الله مرة أخرى. وفي كل هذا إشارة للتطهير
الخلاصي الذي تممه الرب يسوع المسيح لجنسنا، ووهبنا به "غسل الميلاد الثاني" (تي 3: 5) بمعمودية التجديد
والولادة من "الماء والروح"
(يو 3: 5)، والتي أشار إليها إشعياء نبويا إذ قال: "إذا غسل السيد قذر بنات صهيون ونقى دم أورشليم
من وسطها بروح القضاء وبروح الاحراق" (إش 4: 4).
5 وَأَقْتَرِبُ إِلَيْكُمْ لِلْحُكْمِ، وَأَكُونُ شَاهِدًا سَرِيعًا عَلَى السَّحَرَةِ وَعَلَى الْفَاسِقِينَ وَعَلَى الْحَالِفِينَ زُورًا وَعَلَى السَّالِبِينَ أُجْرَةَ الأَجِيرِ: الأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ، وَمَنْ يَصُدُّ الْغَرِيبَ وَلاَ يَخْشَانِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 6 لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ فَأَنْتُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ تَفْنُوا.
إذ كان الشعب
تشكك في صلاح الله وقالوا: أن كل من يفعل الشر صالح في عيني الرب وأن الرب يُسر
بالأشرار (ملا 2: 17) وتساءلوا: "أين إله
العدل؟". يجيبهم الله هنا بأن موعد الحكم عليهم اقترب وسيكون
بنفسه شاهدا على جميع خطاياهم.
7 مِنْ أَيَّامِ آبَائِكُمْ حِدْتُمْ عَنْ فَرَائِضِي وَلَمْ تَحْفَظُوهَا. ارْجِعُوا إِلَيَّ أَرْجعْ إِلَيْكُمْ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَقُلْتُمْ: بِمَاذَا نَرْجعُ؟
الرب لا يتغير ويحفظ عهوده وطول أناته لا تنتهي فلا يُهلك
شعبه بسبب خطاياهم برغم أن الشعب يكرر خطايا آبائه محتقرا وصايا الله. لذلك يدعوهم
الرب للرجوع إليه قائلا: "ارجعوا
إلىَّ أرجع إليكم". ففي الوقت
الذي يُعرِّف الرب شعبه بخطاياهم ويعلن اقتراب الدينونة يُقدم لهم دعوته للتوبة
والرجوع إليه. وعندما يقول الرب" "أرجع
إليكم"، لا تعني أن الرب تركهم - لأن الرب دائما كان يتعهدهم
بالأنبياء ويعتني بهم ليعودوا إليه - بل تعني عودة تمتعهم بالبركات الإلهية التي
فقدوها نتيجة لعدم أمانتهم وعدم حفظهم الوصايا.
عندما دعاهم
الرب للرجوع إليه تسائلوا: "بماذا
نرجع؟" وكأنهم غير مدركين لخطاياهم! وفقدوا القدرة على محاسبة
أنفسهم في تقصيرهم في وصايا الرب.
8 أَيَسْلُبُ الإِنْسَانُ اللهَ؟ فَإِنَّكُمْ سَلَبْتُمُونِي. فَقُلْتُمْ: بِمَ سَلَبْنَاكَ؟ فِي الْعُشُورِ وَالتَّقْدِمَةِ. 9 قَدْ لُعِنْتُمْ لَعْنًا وَإِيَّايَ أَنْتُمْ سَالِبُونَ، هذِهِ الأُمَّةُ كُلُّهَا. 10 هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ، وَجَرِّبُونِي بِهذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، إِنْ كُنْتُ لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوَى السَّمَاوَاتِ، وَأَفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لاَ تُوسَعَ. 11 وَأَنْتَهِرُ مِنْ أَجْلِكُمْ الآكِلَ فَلاَ يُفْسِدُ لَكُمْ ثَمَرَ الأَرْضِ، وَلاَ يُعْقَرُ لَكُمُ الْكَرْمُ فِي الْحَقْلِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. 12 وَيُطَوِّبُكُمْ كُلُّ الأُمَمِ، لأَنَّكُمْ تَكُونُونَ أَرْضَ مَسَرَّةٍ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.
إن الله ليس في
احتياج للعشور (الأموال والعطايا) والتقدمات (الذبائح) في حد ذاتها لأنه هو
المُعطي لشعبه كل شيء، لكنه أمر بها في الشريعة ليتذكر الشعب دائما أنهم يقدمون
مما للرب، "وَلكِنْ مَنْ أَنَا، وَمَنْ هُوَ
شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَنْتَدِبَ هكَذَا؟ لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ
وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ." (1 أخ 29: 14). فعندما نمنع أنفسنا
من العطاء فكأننا نسلب ونسرق الله. فالله يطلب أن يرى المحبة والرحمة في التقدمات "ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ
الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ." (مز
51: 17)، "إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ
ذَبِيحَةً، وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ." (هو
6: 6).
فإن كان الرب يرفض التقدمات الخالية من المحبة والرحمة فكم يكون الإجرام في حق الله إذ سلبت الأمة كلها التقدمات ومنعوها عن بيت الرب. وهنا يُريهم الله أن معاناتهم وسوء أحوالهم ليس بسبب عدم صلاح الرب لكن بسبب اللعنة التي حلت عليهم لعدم طاعة وصايا الرب (تث 28: 15-66). ويعود الرب ويجدد لهم الوعد بالبركات (تث 28: 1-14) إن رجعوا إليه وقدموا له عبادتهم وتقدماتهم بأمانه، فيختبروا أمانة الرب معهم إذ يفيض عليهم بالبركات.
13 أَقْوَالُكُمُ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ، قَالَ الرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: مَاذَا قُلْنَا عَلَيْكَ؟ 14 قُلْتُمْ: عِبَادَةُ اللهِ بَاطِلَةٌ، وَمَا الْمَنْفَعَةُ مِنْ أَنَّنَا حَفِظْنَا شَعَائِرَهُ، وَأَنَّنَا سَلَكْنَا بِالْحُزْنِ قُدَّامَ رَبِّ الْجُنُودِ؟ 15 وَالآنَ نَحْنُ مُطَوِّبُونَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَأَيْضًا فَاعِلُو الشَّرِّ يُبْنَوْنَ. بَلْ جَرَّبُوا اللهَ وَنَجَوْا.
اختَلَّت لديهم
المفاهيم وتكلموا على الرب بأقوال صعبة: (1) عبادة الله غير مجدية (2) ما المنفعة
إن حفظنا شعائره وسلكنا بالحزن (بالتوبة والانسحاق) أمامه؟ (3) فلنطوب المستكبرين
(4) الأشرار هم السعداء فهم تركوا الوصايا مجربين الرب ونجحوا.
16 حِينَئِذٍ كَلَّمَ مُتَّقُو الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَالرَّبُّ أَصْغَى وَسَمِعَ، وَكُتِبَ أَمَامَهُ سِفْرُ تَذْكَرَةٍ لِلَّذِينَ اتَّقُوا الرَّبَّ وَلِلْمُفَكِّرِينَ فِي اسْمِهِ. 17 وَيَكُونُونَ لِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً، وَأُشْفِقُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُشْفِقُ الإِنْسَانُ عَلَى ابْنِهِ الَّذِي يَخْدِمُهُ.
وهنا يأتي دور "متقو الرب"، وهم البقية الأمينة للرب
في كل مكان وزمان. يحفظون كلمة الرب ويتكلمون بها فيما بينهم دائما مُذَكِرين
أخوتهم بها. "وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: اعْبُرْ
فِي وَسْطِ الْمَدِينَةِ، فِي وَسْطِ أُورُشَلِيمَ، وَسِمْ سِمَةً عَلَى جِبَاهِ
الرِّجَالِ الَّذِينَ يَئِنُّونَ وَيَتَنَهَّدُونَ عَلَى كُلِّ الرَّجَاسَاتِ
الْمَصْنُوعَةِ فِي وَسْطِهَا." (حز
9: 4). دائما ما تكون هذه البقية من "متقو الرب" سبب بركة ورجاء "وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ
وَالَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ، يُسَمَّى قُدُّوسًا. كُلُّ مَنْ كُتِبَ
لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيمَ." (إش 3: 3). ينعمون بالوعد ببركات
الرب.
إن الرب أمين. يُصغي
ويسمع ويتذكر الأتقياء الذين يفكرون في اسمه القدوس. ويتخذهم الرب "خاصة" له، فيقول الرب أنهم سيكونون
من خاصته في يوم مجيئه (ملا 3: 1). يعرفهم ويعرفونه، "أَمَّا
أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي
تَعْرِفُنِي،" (يو 10: 14)، "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ
سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ."
(يو 1: 12)، كوعده لهم منذ القديم "فَالآنَ
إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ
بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ." (خر 19:
5). فيشفق الرب عليهم كأب على ابنه الذي يخدمه "أَنَّ
الرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ." (مز 135: 14)، فإن كنا من جهتنا أمناء كخدام لله
لكنه يُشفق علينا كمن في منزلة الأبناء، فيرفعنا ويهبنا البنوة. ويكتب أسمائهم
أمامه في "سفر تذكرة"، إشارة
لـ "سفر الحياة" (في 4: 3)،
(رؤ 3: 5 و20: 15).
18 فَتَعُودُونَ وَتُمَيِّزُونَ بَيْنَ الصِّدِّيقِ وَالشِّرِّيرِ، بَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَمَنْ لاَ يَعْبُدُهُ.
الشرير ليس كالصديق، ومن يعبد الرب لا يتساوى مع من لا يعبده. وسيظهر ذلك جليا عندما يمنح الرب متقيه مجد البنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق