1 فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ، وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلًا وَلاَ فَرْعًا.
"اليوم" هو يوم مجيء
الرب (ملا 3: 1-2 و17). ويُشبِّه ملاخي هذا اليوم بـ "التنُّور" أي الموقد والفرن. وتمثيل يوم الرب بأنه "المُتقد كالتنُّور" يُشير لنار
التنقية (ملا 3: 2-3) والدينونة (ملا 3: 5). وهذا تكلم عنه المزمور: "تجعلهم مثل تنور نارٍ في زمان حضورك؛ الرب بسخطه
يبتلعهم، وتأكلهم النار" (مز
21: 9)، "قُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ
وَتُحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ." (مز 97: 3). أما المستكبرون
وفاعلو الشر (ملا 3: 15) هم القش، أي وقود هذه النار.
كانت هذه رسالة
يوحنا المعمدان: "وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ
الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا
جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ،
وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ
بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ." (مت
3: 10-12)، (لو 3: 9 و16-17). ويتفق مع ما ذكره الرب يسوع عن أغصان الكرمة غير
المثمرة: "كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي
بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ... إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ
خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ،
فَيَحْتَرِقُ." (يو
15: 2 و6).
2 وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا، فَتَخْرُجُونَ وَتَنْشَأُونَ كَعُجُولِ الصِّيرَةِ.
إذا كان يوم
الرب هو يوم تنقية ودينونة للأشرار، إلا إنه يوم شفاء وفرح وشبع لمتقي الرب. فـ "المتقون" هم "متقو الرب"
(ملا 3: 16) الذين عبدوا الرب بأمانة ذاكرين اسمه كل حين برغم ضلال وشر
المجتمع المحيط بهم، وارتفاع المتكبرين والأشرار من حولهم. ولكن هذا لم يُفقدهم
رجاءَهم في عدل الرب وصلاحه.
وإشراق "شمس البر" كناية عن ظهور الرب يسوع
المسيح، وإشراقة علينا نحن الجلوس في الظلمة "اَلشَّعْبُ
السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي
أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ." (إش
9: 2)، "لأَنَّ الرَّبَّ، اللهَ، شَمْسٌ
وَمِجَنٌّ. الرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْدًا. لاَ يَمْنَعُ خَيْرًا
عَنِ السَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ." (مز 84: 11). فهو "نور العالم"(يو 8: 12)، شمس البر צְדָקָ֔ה (تصداقاه) أي بِرُّ الله الذي هو العدل والحق justice, righteousness، وبِرُّ المؤمنين أي تبريرهم وخلاصهم من خطاياهم vindication, justification, salvation.
فكما أن الشمس
في طبيعتها نارٌ حارقة لكن في الوقت لها قوة شفائية مُطهرة "والشفاء في أجنحتها"، تعطي حياة
لجميع الكائنات. كذلك ظهور بِرُّ الله على جميع الأمم سيكون دينونة للأشرار، وشفاء
الخلاص من الخطية، وحياة أبدية للأبرار. و"أجنحتها"
إشارة لـ "ملاك العهد" (ملا 3: 1) أي الرب نفسه وتعني الخلاص والنجاة
والحماية والمعونة "وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ
عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ." (خر 19: 4)، "لِيُكَافِئِ
الرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلهِ
إِسْرَائِيلَ الَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ."
(را 2: 12)، (مز 17: 8 و36: 7 و57: 1 و63: 7)، "يَا
أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ
الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا
تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ
تُرِيدُوا." (مت 23: 37 ولو
13: 34).
عند مجيء الرب
يسوع المسيح، "تخرجون" تشير
للاندفاع للخارج، أو للولادة مرة أخرى للحياة الجديدة متمتعين بضياء شمس البر. و"تنشأون"
تشير إلى النمو والتقدم في الحياة مع الله، فنبلغ إلى الإنسان الكامل في
المسيح (أف 4: 13 وكو 1: 28). "كعجول الصِّيرَة"، والصيرة هي المَعلف أو الحظيرة، مُتغذين
على غِنَى ودسم وصايا الله وكلمته المشبعة.
3 وَتَدُوسُونَ الأَشْرَارَ لأَنَّهُمْ يَكُونُونَ رَمَادًا تَحْتَ بُطُونِ أَقْدَامِكُمْ يَوْمَ أَفْعَلُ هذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.
نفس "يوم الرب"
الذي هو دينونة للأشرار سيكون نفسه مكافأة للأبرار على أمانتهم. ربما يعاني
الصديقون من الشر والضيقات التي يضطهدهم العالم الشرير بها، لكن هنا يعدهم الرب
بالغلبة على الأشرار، "فِي الْعَالَمِ
سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ."
(يو 16: 33).
4 اُذْكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي الَّتِي أَمَرْتُهُ بِهَا فِي حُورِيبَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ.
إن التمسك
بوصايا وكلمة الله والعمل بها هو سر البركات في الحياة (تث 28: 1-14).
5 هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ،
أخبرهم الرب أنه
سيرسل إليهم ملاكه (ملا 3: 1) ليهيئ الطريق أمامه. وهو الأمر الذي تحقق في يوحنا
المعمدان، الذي قال عنه الملاك في بشراه لزكريا الكاهن أبيه: "وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ،
لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ
الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا" (لو 1: 17)، فليس بالضرورة أن يكون هو شخص إيليا
نفسه (1مل 17: 1- 2مل 2: 15) بل شخص آخر بقوة إيليا وروحه، كما ذكر الكتاب عن
إليشع النبي عندما طلب إثنين من روح إيليا عليه (2مل 2: 9)، وقيل عنه: "قَدِ اسْتَقَرَّتْ رُوحُ إِيلِيَّا عَلَى
أَلِيشَعَ." (2مل 2: 15).
ولذلك عندما سُئل يوحنا: "إِيلِيَّا
أَنْتَ؟" أنكر قائلا إنه ليس
إيليا نفسه (يو 1: 21) في حين أن الرب يسوع المسيح قال عنه: "فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ." (مت 11: 14)، "وَلكِنِّي
أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ
عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا." (مت 17: 12 ومر 9: 13).
6 فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ.
كانت هذه هي
رسالة المعمدان لإعداد طريق الرب (إش 40: 3) و(ملا 3: 1)، والتي تحققت بأنه "يرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على
آبائهم" في (مت 3: 3) و(لو 1: 17). أي
يُحوِّل فكر الآباء الأبرار الذين على الرجاء انتظروا المسيح إلى الأبناء الذين في
زمانهم يأتي المسيح الرب فيكونوا مستعدين للإيمان به. لذلك كما قال الملاك: "يردُّ كثيرين… ويُهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لو 1: 16-17).
وهنا ينتهي آخر
سفر نبوي في العهد القديم بتحذير نهائي، بأن اللعنة هي المصير الأخير لمن لا يقبل
السيد الرب عند مجيئه. وهنا نجد فرق كبير بين أول عبارة وآخر عبارة في العهد
القديم. فيبدأ سفر التكوين بعبارة "فِي
الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ." (تك 1: 1)،
والتي تصف كمال الأيقونة التي رسمها الله بالخليقة وتوجها بالإنسان، نجد ذلك
التحذير المخيف باللعنة في خاتمة سفر ملاخي "لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ."
(ملا 4: 6)، وبين هذا وذاك نجد أن خطيئة البشر هي التي أحدثت كل هذا
الفرق. فبينما يبدأ التكوين بالقوة العظيمة والكمال في خليقة الرب الإله، ينتهي في
ملاخي بالخوف والإنذار باللعنة والانفصال عن الله والحاجة إلى ظهور الرب المُخلص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق